ميريك بولندي، تعرفت عليه خلال الدراسة. عندما تكلمنا للمرة الأولى لم أصدق أنه بولندي أصلي. أسود الشعر ، أسمر البشرة، بكلمة واحدة كأنه عربي حقيقي. منذ فترة قصيرة التقينا مرة تالية، أثناء الحديث سألته – وأنا أعرف أنه يسافر مرارا في أنحاء العالم – ألا ترافقه ’اللعنة العربية’. في البداية ابتسم من هذه التسمية.
معاملته على أنه خطر إرهابي محتمل. أنا نفسي تعرضت لذلك عدة مرات أثناء ترحالي في العالم. أحيانا يبدو ذلك مضحكا، وأحياناً محرجا أو مثيرا للشفقة. مهما يكن لا يتم ذلك دائما بشكل لطيف أو مؤدب.
كالمسلمين، والأحرى لم يبدو كالعرب.

في العالم من أمريكا وحتى أستراليا يعيش أكثر من مليار مسلم. أما العرب فيبلغ عددهم حوالي 160 مليون. من زار الدول العربية يعرف بأنهم ليسوا أناسا مجبولين على المواجهة العدائية. بل أناس لطفاء، مضيافون، متجاوبون، لأن الدين والثقافة يفرضان عليهم ذلك. في الدول العربية لا يسكن المسلمون وحدهم، توجد نسبة ملحوظة من المسيحيين، ومن المواطنين الأصليين اليهود، وعدد كبير من غير المؤمنين والملحدين.

الدين لا يعرف القوميات، هو رسالة عالمية لكل الناس. لذلك أتباع الديانات الأخرى غير الإسلام لا يقفون في صف مختلف كمجموعة إثنية منفصلة. على سبيل المثال - في فلسطين فإن الفلسطينيين أتباع الديانة اليهودية لا يعترفون بدولة إسرائيل بمبادرة من أنفسهم. يعتبرون أنفسهم عربا وفلسطينيين، لذلك لديهم ذات التطلعات الوطنية كبقية الفلسطينيين، ومشاكل أكبر من قبل قوى الاحتلال لأن إسرائيل تعتبرهم خونة. العديد منهم احتل مناصب مرموقة في منظمة التحرير الفلسطينية، وهم ممثلون بالتساوي مع غيرهم من الفلسطينيين في السلطات التشريعية الفلسطينية.
ولكن الحياة في البلدان العربية للأسف ليست وردية كما يبدو للبعض. الإسلام مشتق من ’السلام’ ، كديانة سماوية في معتقداته الأساسية لا يختلف كثيرا عن الديانة اليهودية أو المسيحية. تعترف بإله واحد هو نفسه الذي تؤمن به الديانات الأخرى. وكلمة ’الله’ أصلها عبري وتعني ’الإله’ (أو ’الإلهة’). وهو ليس إلها مختلفا كما يفسر ذلك البعض. الإسلام يعترف بالأنبياء الذين سبقوه وبكتبهم المقدسة. مريم العذراء هي من بين نساء معدودات تم ذكرهن في القرآن، والتي تلقى كل الاحترام ولا يقال عنها إلا ’العذراء’.

الإسلام الحقيقي يفرض احترام أتباع الديانات السماوية الأخرى، يكفل لهم نفس الحقوق والواجبات. لا يضع بينهم أية جدران في الحياة اليومية. عندما تعيش بهذا الانسجام يصعب تمييز من هو من أتباع أية ديانة، لذلك يعتبر السؤال عن الدين في البلدان العربية سؤالا غير لائق.
من أين إذن هذه الكراهية العمياء، والتي تسبب هذا العدد من الضحايا والمشاكل بين العالم الإسلامي والغربي؟

إن الإجابة على هذا السؤال معقدة لدرجة كبيرة. الأكيد أن الدين وحده ليس سببا ولا يدعو للبغضاء ومحاربة الآخرين. الإسلام هو في هذه الحالة ضحية. إن استخدامه لأغراض سياسية هو كفر. يتم استعمال الدين كأداة وبشكل انتقائي، حيث يتم الاستفادة من ردود الأفعال والانفعالات البدائية من أجل الحصول على موالين من صفوف المؤمنين البسطاء.

إحدى المشكلات الأساسية للإسلام هي انعدام هيئة واحدة عليا تفسر القرآن وتفسر تعاليم الشريعة الأخرى. مثلاً: في القرآن توجد آيات كثيرة معناها مؤقت، كانت تخص أمورا محددة أو أحداثا كانت في بداية ظهور الإسلام – على سبيل المثال طرد قبيلة يهودية خانت المسلمين أثناء القتال مع الكفار. هذه القبيلة مذكورة بالاسم والعقوبة خصّت هذه المجموعة بالذات، وليس كل اليهود. عدم وجود مثل هذه الهيئة يجعل الحركات المتطرفة تستعمل شعار’ محاربة اليهود’ ليس المحتلين لفلسطين فقط وإنما جميع اليهود في كل أنحاء العالم.

هذه المشكلة ذاتها تخص العديد من القضايا المتعلقة باللغة العربية. إن هذه اللغة جميلة وغنية لدرجة أن الكلمة الواحدة لها عدة معانٍ. أحيانا بسهولة يمكن فهم المعنى، ولكن يحدث كثيرا أن الجملة الواحدة تحمل عدة معان وتفسيرات. ومن نافل القول أن القرآن كتب قبل حوالي 1400 سنة. واللغة التي كانت مستعملة في زمن محمد كانت مختلفة عن اللغة العربية المعاصرة.

من أجل تقريب بعض المشاكل اللغوية، قبل عشرات السنوات الأديب المصري طه حسين أحد أشهر وأهم الكتاب المحدثين كتب رسالة بدأها ’ باسم الله لا باسم الشيطان’. قامت حملة من المسلمين الأرثوذكسيين ضد الكاتب وكانت تتعلق بكتابة الفاصلة هل كتب ’باسم الله، لا باسم الشيطان’ أم ’باسم الله لا، باسم الشيطان’. وبما أن طه حسين كان معروفا بإلحاده فقد تم اتهامه بتدنيس لفظ الجلالة واضعا ’اسم العلي بالتساوي مع الشيطان’.
التفسير المتنوع يسمح بتكييف القانون الشرعي حسب الاحتياجات – خاصة، إذا كان الموضوع يخص جعل الأحكام القرآنية أكثر ليبرالية على أساس ’الدين يسر وليس عسرا’ . ولكن عندما يتم التمسك الحرفي بالنص فيغدو الأمر خطرا. حركات إرهابية مثل القاعدة تستخدم القرآن انتقائيا وحرفيا مما يجعله عدائيا وليس صديقا للغير. ويصبح الإسلام ’الديانة الوحيدة الحقيقية’، مما يؤدي مباشرة إلى التمييز والعنصرية. لا أريد أن أبرر هنا ردات فعل الحكومات الغربية التي تعامل جميع ’ذوي البشرة السمراء’ كخطر إرهابي، ولكن هذه المعاملة هي دوامة خطيرة تقترب من العنصرية. ليس كل مسلم عربيا، وكذلك ليس كل مسلم أو كل عربي إرهابيا.

أعرف أنني كعربي وكملحد أدفع ثمن ما يفعله غيري، وربما أيضا لقاء الأخطاء الربانية. أما كبولندي فأعتبر نفسي وطنيا ولا أخجل من ذلك. ولكن دائما أشعر بالحسرة عندما يوقفونني في المطار، ولا أستطيع عبور حدود دولتي بسرعة كبقية المواطنين. وماذا عن ميريك؟ قال لي مازحا، ربما سأدخل الإسلام، لكي أعرف، لماذا ’أُعاقب’ عند مراقبة جوازات السفر في نقاط الحدود.
كتب النص: ماجد سهلي