في شوارع وارسو توجد الكثير من الدعايات التي تقول إن من حصل على تعليم جيد سيحصل على وظيفة جيدة ولكن برأي هذا كلام غير صحيح. لأن من عنده معارف يحصل على وظيفة وأنا لسؤ الحظ لا أعرف أحداً في بولندا حصل على عمل ما لانه كان أفضل من غيره على الأغلب يتم من خلال المعارف بدأ مشواري المهني في السنة الخامسة من الدراسة الجامعية في موسكو وأنا درست علم المتاحف. وظّفت في أحد متاحف موسكو. في وقت لاحق بدأت بكتابة الدكتوراه فقررت أن أغير مكان العمل لانّي كنت أكتب رسالة في مجال الهندسة المعمارية. أجريت مقابلة في متحف الهندسة المعمارية في موسكو وتم قبولي مباشرة إلى العمل لأنني كنت باحثة وعالمة في مجال الهندسة المعمارية. في عام 2004 حصلت على منحة دراسية وحضرت إلى بولندا حيث بدأت الدراسة. بعد فترة من الوقت رجعت إلى موسكو لأناقش هناك رسالة الدكتوراه. بعد المناقشة كان لدي إجازة لمدة 4 أشهر - قررت أن أبحث خلالها عن أي عمل مطلوب فيه معرفة اللغة البولندية. بعد ثلاثة أسابيع من البحث وجدت (عبر الإنترنت) وظيفة في شركة النقل والشحن. بالنسبة لي كان هذا العمل نوعا من التحدي لأنني بدأت من الصفر لم أكن أعرف شيئا عن النقل ولكن كان عندي تصميم كبير ومؤهلات جيدة تثبت مستوى ثقافتي ومعرفتي الجيدة باللغة البولندية. في غضون ثلاثة أشهر أظهرت مهاراتي كموظفة جيدة جدا. عندما أنتهت إجازتي في موسكو وحان وقت العودة إلى بولندا لأكمل دراستي طلب مدير شركتي في موسكو من رئيس شركة النقل في وارسو الذي كان صديقه أن يكلّمني. وبهذه الطريقة بفضل الوظيفة التي وجدتها في موسكو بدأت أعمل في بولندا. في مايو 2009 فقدت الوظيفة لأن الشركة لم تنجو من الأزمة الاقتصادية. من ناحية كنت حزينة لأنني فقدت العمل ومن ناحية أخرى كنت أفكر منذ فترة طويلة العودة إلى المهنة المكتسبة، يعني كنت أريد أن أشتغل في المتحف وأقوم بالبحوث العلمية. اثناء عملي في شركة النقل اكتسبت تجربة جديدة وتعلمت أشياء كثيرة وأثبتت لنفسي وللآخرين أنني أستطيع أن أغير مهنتي بشكل تام وأحقق نجاحا. لقد بدأت البحث عن وظيفة جديدة. كيف؟ بقراءة الصحف والانترنت. أي وظيفة؟ قبل كل شيء في المتاحف ولكن أيضا في مجال النقل أو السياحة. على أي حال كنت سعيدة أنني اكتسبت تجربة في مجال النقل وكنت أتوقع أنها ستساعدني في الحصول على عمل جديد. كنت أبعث عددا من السير الذاتية كل يوم. المتاحف في وارسو لم تكن في حاجة إلى موظفين جدد لكنني قررت أن أبعث إليها طلبي لأني متخصصة في علم المتاحف وحاملة لشهادة الدكتوراه ولدي خبرة. أملت كثيرا أن أشتغل في متحف العاصمة وارسو التاريخي وذلك لأن موضوع رسالة الدكتوراه كان يتعلق بوارسو. بحثت عن العمل بنفس الطريقة مثلما فعلت في موسكو. حصلت على إجابتين اثنتين – السلبية من المتحف التاريخي ،الذي كتب أنه لا يحتاج إلى موظفين جدد والأيجابية من أحد متاحف وارسو. خلال مدة شهر ونصف أجريت عدة مكالمات هاتفية وأخيرا أجريت مقابلة. كنت سعيدة لأنني دون المعارف والوسطاء لفت النظر بجهودي وخبرتي. المدير اقترح على التعيّن ولكن بشرط أن يتم الموافقة على ميزانية المتاحف للسنة القادمة. ومسؤولية هذه الوظيفة كانت فقط تسجيل المعلومات عن مكتبة المتحف في قاعدة البيانات الإلكترونية. كنت خائفة. في متاحف موسكو كنت مسؤولة على إنشاء نظام تصنيف المحفوظات وقواعد البيانات الجديدة وإنجازات المهندسين المعماريين والسجلات الأرشيفية كما كنت أنظم معارض مع جميع الموظفين الآخرين. أنا عالمة ونشرت عدد من المقالات في مختلف البلدان كما اشتركت في المؤتمرات الدولية، بعد ما قرأ مدير المتحف كل هذا في سيرتي الذاتية طلب منّي أن أقوم بتسجيل المعلومات فقط. بالاضافة إلى ذلك كان علي أن أجلس مع أربعة رجال مدخنين كانوا يدخنون أثناء العمل، كان بالنسبة لي إهانة وخسارة للصحة ولم تكن تلك الوظيفة ثابتة ومؤكدة. بعد هذه المقابلة أصيبت بأزمة وأدركت أن صاحب العمل لا يهتم بتعلمي وخبرتي الكبيرة. انتهى الشهر الثاني من البحث عن العمل. خلال هذه الفترة أجرت 4 مقابلات في شركات النقل لكن أحسست بأن هذه الشركات في الحقيقة لا ترغب في تعيّن أحد من مقدمي الطلب. وبالتالي قدر المسؤوليات كان أقل بكثير مما فعلته في الشركة السابقة، وأيضاً لا أحد يقترح على لمقابلة أخرى. في إحدى المرات حدث لي شيء جدير بذكر. كتبت في بحّاثة جوجول كلمات مثل: "تجارة بولندية روسية" و"تصدير إلى الشرق" وجدت عنوان المشتل، وأرسلت سيرتي الذاتية والطلب إليه. كتبت فيه أنني عملت في مجال النقل والتصدير وحاليا أبحث عن العمل وبرأي أنني مفيدة لهم. في اليوم التالي اتصلوا بي واقترحوا موعد المقابلة في الساعة 7 صباحا! خلال المقابلة ناقشنا تجربتي. أكّدت أنني قادرة على حفظ أسماء النباتات وهذا سهل بالنسبة لي. أراد رئيس الشركة أن يعطيني دليل النباتات لكي أبدأ بالإطلاع على تشكيلة الشركة على الفور. بعد يومين أجريت مقابلة استمرت في جو ودي. و في اليوم التالي اتصل بي رئيس الشركة قائلا إنه لا يستطيع أن يعيّنني لأنه لا يوجد لديهم مكان فارغ ليضع فيه مكتب لي... فوجئت إلى دراجة كبيرة و لم أقل كلمة. حتى أني لا أتذكر أني قلت له كلمة التوديع. في يوم من الأيام عن طريق مكتب العمل لمنطقة وارسو الذي سجلت نفسي فيه وأنا عاطلة عن العمل حصلت على عنوان الشركة باحثة عن عمل. من متطلبا تها رخصة القيادة وسيارة ملك وشهادة جامعية في تاريخ الفنون والخبرة. إن مكتب العمل لا يعطي عنوان الشركة إذ كانت متطلبات الوظيفة غير مطابقة لمزايا العاطل عن العمل. أذن أرسلت سيرتي الذاتية إلى هذه الشركة وبعد أيام من الانتظار اتصلت بهم:
- مرحبا، قدّمت لكم السيرة الذاتية. أودّ أن أسأل...
- نعم، سيدتي، أنا آسفة. أنت لا تستوفين شروطنا. لا نستطيع أن ندعوك إلى المقابلة.
- بعد إذنك. أ ليست متطلاباتكم هي رخصة القيادة وسيارة ملك وشهادة جامعية في تاريخ الفنون والخبرة ؟
- نعم.
- وفي هذه الحالة أستوفي جميع الشروط.
- ولكن... لا... ه... ه... للأسف.مع السلامة.
زوجي وهو يشاهد اضطرابي اتصل بالشركة مرة أخرى وفهم من بين السطور أن الشركة تريد عاملا ذكرا. بعد شهرين أدركت أنه كثيرا ما يحدث أن الشركات تبحث عن سوق للعمل وليس عن عمال جدد. وقدمت أيضا طلبي في دار النشر وكانت مسؤوليات هذه الوظيفة بضبط نفس ما كان عليه عملي في متحف موسكو، ولكن لم دعيت لمقابلة لأنه كما قالت لي السكرتيرة أن خبرتي قليلة جدا. ولدي خبرة 5 سنوات. أحد رفاق زوجي في العمل اقترح علي أن يساعدني في تعديل سيرتي الذاتية لكي تكون أكثر مهنية وهو فتح عينيّ. أولا – أزال من سيرتي الذاتية معلومات عن مكان الولادة، يعني محافظة موسكو،إذا اعتبروني بولندية زاد احتمال أن يدعوني للمقابلة. هكذا قال. ثانيا – عمل نسختين من سيرتي الذاتية : الأولى كتب فيها معلومات عن شهادتي الدكتوراه والثانية لم يكتب عنها. في هذه اللحظة أدركت شيئا آخر - في بولندا صاحب العمل لا يعيّن شخصا لديه تعلم أفضل منه. و شعرت بالأسى لأنّ الردّ على سيرتي الذاتية أصبح أكبر من قبل. معناه أن في بولندا من الأفضل أن تكون مقدمة الطلب بولندية الجنسية وبدون تعلم عال ولا أجنبية حاملة درجة الدكتوراه. في ما بعد حاولت الحصول على وظيفة عادية في قسم التاريخ لأحد المتاحف ولكن لم أدع للمقابلة. تصفحت موقع الانترنت للمتحف -- مدير قسم التاريخ لا يملك درجة علمية مثلي. كما قدمت طلبي في متحف آخر، حيث لم يقترحوا التعيّن علي ولكن قدّروا ذكائي ومعرفتي واقترحوا علي معاملة على أساس عقد بمرتب محدود. في إطار عملية التوظيف حضّرت أفضل ثلاثة مشاريع (واحد منها سيتم تنفيذه). لكن الأكثر أهمية أنهم اقترحوا علي التعاون. لأول مرة ارتحت. كنت أفكر بأنني بهذه الطريقة سأحقّق نجاحاً مهنيا في بولندا. منذ أيلول/ سبتمبر وأنا أعمل في المنظمة الغير الحكومية التي تساعد المهاجرين. وبهذه الطريقة أمارس مهنة جديدة مرة أخرى في عملي استخدام "قانون شؤون الأجانب" و"قانون تعزيز التعيّن وقانون مؤسسات سوق العمل". حققت نجاحا كبيرا في عملي الجديد: أدير دورات تدريبية للأجانب في مجال القانون الذي يسمح لنا بالعمل في بولندا. أحيانا أحتاج إلى بعض الاستفسارات واتصل بالدوائر الرسمية. كيثرا ما أواجه عدم المعرفة الأساسية عند الموطفين هناك. أحيانا عندما أتصل بمكتب العمل لمنطقة وارسو أو مكتب العمل لمحافظة مازوفيا أحصل لنفس السؤال على إجابتين مختلفتين تماما. للأسف موظّفي مكتب العمل للمحافظة ليسو مطلعين على قانون تعزيز التعيّن. حدث لي أن يأتي إليّ أشخاص الذين حصلوا على معلومات غير صحيحة في مكتب العمل للمحافظة أو في قسم شؤون الأجانب التابع لدائرة المحافظة. في يوم من الأيام اتصلت بمكتب العمل للمحافظة استفسارا حول بيان نية التعيّن لشخص أجنبي. الجواب الذي حصلت عليه بدا لي غير صحيح. أتصلت بمكتب العمل لمنطقة وارسو حيث حصلت على كل المعلومات وفقا للقانون. فعاودت الاتصال بمكتب العمل للمحافظة وقلت أنني حصلت من خلالهم على معلومات غير صحيحة. الموظفة في قسم الإعلام أجابت:
- يا سيدتي، البيانات تصدر في مكتب العمل لمنطقة وارسو ولذلك عندهم معلومات أدق من عندنا.
- في هذه الحالة لماذا لم تقولي لي هكذا من البداية بدل أن تضلّلينني.
- من فضلك يا سيدتي، نحن نقدم معلومات حول التصاريح فقط
- حسنا ولكن أنا أتكلم اللغة البولندية وأعرف القوانين وأعرف أين أستفسر في حالة الشكوك ولكن ماذا يجب أن يفعلوا هؤلاء الأجانب الذين يستفسرون من مكتبكم حول إصدار تصاريح العمل وأنتم تقدمون لهم معلومات غير صحيحة؟
- وما يفعل البولنديون الذين يعملون في أوروبا الغربية؟
... التعليق؟ لا لزوم له. هل أستطيع الحصول على عمل في أحدى الدوائر الرسمية البولندية؟ لا. أولاً أن لا يكون لديّ قدر كاف من التعلّم. ثانياً ليس لدي خبرة في هذا العمل. ليس مهما أنني أعرف القوانين. هذا لا يلعب دورا مهما. لسوء الحظ كثيرا ما يحدث أن يفضّل الموظفين في الدوائر الرسمية المسؤولة عن تسوية الإقامات قانونيا أو إصدار تصاريح الإقامة أوتصاريح العمل للأجانب أن يقولوا "لا" وينهوا المحادثة. فقط الشخص الأكثر معرفة يستطيع الحصول على المعلومات من عندهم:
- من فضلك يا سيدتي، عندي سؤال: هل الأجنبي يمكن أن يفعل كذا وكذا؟
- لا، لا يمكن.
- وأين هذا مكتوب بالضبط ؟ من فضلك أعطني المادة والفقرة، لأن هذه المسألة موجودة في المادة 23 و45 و124، وليس مكتوبا هناك أن الأجنبي لا يمكن أن يفعل كذا وكذا( أستفسرفقط في حالة عدم الوضوح في القانون).
- من فضلك أحوّلك إلى شخص أكثر إطلاعا في الموضوع.
وكيف إذا كان المتصل أجنبي لا يتكلم اللغة البولندية؟ في هذه الحالة تصبح المشكلة أكثر تعقيدا. في عملي أقوم بمسائل مختلفة.من جملة الأمور أقامت بالمسألة التالية. فلان وهو قادم من دولة عقدت معها بولندا اتفاقا بشأن تسهيل التعيّن (يعني يتم تعيّن مواطني هذه الدولة على أساس بيان نية التعيّن دون تصريح العمل) ذلك الرجل كان يعمل في فنادق في الولايات المتحدة فترة طويلة وقدم طلبه في أحد الفنادق 5 نجوم في وارسو. بعد محادثة هاتفية عقبتها مقابلة قدموا له تعيّن بشرط أنه ينظّم أوراقه. وهو طلب مني المساعدة.
- صباح الخير، لو سمحت أتصل بشأن تعيّن فلان.
- نعم سيدتي. علينا أن نحصل على تصريح العمل له وهذا يستغرق وقتا طويلا ويكلف كثيراً
- قد تغير القانون والآن إصدار التصريح يستغرق مدة شهر واحد ويكلف 100 زلوطي فقط. ولكن فلان موطن الدولة التي وقع معها اتفاقا بشأن التعيّن على أساس بيان نية ودون تصريح
- ...؟
- يتم إصدار هذا البيان في مكتب العمل لمنطقة وارسو مجانا. الشخص بنفسه يمكن أن يقوم بذلك. عليكم فقط املاء البيان وتقديم نسخة من السجل القضائي الوطني.
- نعم، لكن عليه أن يقوم بتسوة أقامته في بولندا قانونيا.
- ما قصدك بتسوية الاقامة وهو حامل لتأشير عمل صالحة وعبر حدود بولندا قانونيا؟
- لكن هو لا يتكلّم اللغة البولندية!
عندما لم تجد موظفة الفندق حججا أكثر وأدركت أن تعيين فلان أمر سهل جدا استخدمت آخر حجة وهي عدم معرفة اللغة البولندية. و فلان أجرى مقابلتين كلتيهما باللغة الإنجليزية وخلالهما لم يكون عدم معرفته اللغة البولندية مشكلة. في غضون 5 دقائق قد أثبت للمتخصصة بشؤون التعيين في أحد الفنادق في وارسو أنها لا تملك معرفة أساسية في مجال تعيين الأجانب وأكثر من ذلك - هي تتظاهر أنها تملكها. هل من الممكن في بولندا إيجاد وظيفة بدون المعارف؟ نعم، بالتأكيد، ولكن ذلك ليس سهلا، وخصوصا لشخص أجنبي لأنه في كل بلد وفي بلدي أيضا الناس دائما يعيّنون شخصا من ابناء البلد وليس أجنبيا. لذلك علينا نحن الأجانب أن نبذل جهودا أكبر لتحقيق النجاح.
تأليف: ماريا ستريلبيسكا
ترجمة: ماجدالينا كوباريك