"ستريت بارتي" هو عرض احتفالي تستضيفه شوارع العاصمة في آخر يوم أحد من شهر آب/يونيو. منذ عام 2007 كانت بلدية مدينة وارسو تغطي تكاليفه. لا توجد وسائط مالية أخرى ولا مانحون جدد.
وارسو تقع على نهر الفيستولا، وبفضل فرقة موسيقية شعبية مشهورة في العالم (من قرية وارسو) نعرف أنها أيضا قرية. وبفضل موقع الإنترنت كونتينانت – وارسو نعرف أن العاصمة أكبر من أصغر قارة- أوروبا. أسرة تحرير الموقع تمول لنا كل عام احتفال الشوارع ’ستريت بارتي وارسو المتعدد الثقافات’. يؤكد المنظم أن " احتفال الشوارع لكل سكان وارسو، الذين تشكل أصولهم المختلفة فسيفساء ملونة غالبا لا تُلاحظ ولا تُقدّر في عجلتنا اليومية، هدفه الترويج لتعدد الثقافات من خلال حفلة سرور مشتركة". لماذا نحتاج جميعا لمثل هذه الحفلة؟ لماذا التعددية الثقافية لنا؟ لماذا لنا الأشياء، والأفكار، والعادات، والقيم الغريبة؟ الجواب بسيط. لأن العولمة (هذه الإيجابية) رافقت الإنسان دائما. للمعاصرين يبدو أن الظاهرة بانت فجأة، في نهاية القرن العشرين. من أين؟ هل بحث أحد إلى أي مدى الفكر الفلسفي اليوناني مدين لمصر؟ لماذا باعت أوروبا المسيحية إلى أمريكا وأفريقيا وكأنها نظامها؟ وهي انتحال للأفكار الآتية من الشرق الأوسط. دائما كان الإنسان يحتاج لاقتراحات وقيم إيجابية، بغض النظر عن المكان الذي تولد فيه. وإلا لما كان في اللغة البولندية كلمات مثل: تلفون، تلفزيون، أوتو"سيارة"، موزيزم"متحف" ، تياتر"مسرح"...كل ذلك مستأجر من لغات أخرى.
التعدد الثقافي الذي يحوي كل ما هو هام في الحياة نحتاجه كالهواء. إن كلمة ثقافة هي بمعنى ما مثل الكيس. هي اصطلاح متعدد المعاني. الشخص الذي يولد ويعيش في مكان ما يشعر بالثقافة المحلية، ولكن لديه شعور بالثقافات الأخرى. مفهوم "الثقافة" لم يكن هاماً لو لم يوحي بـ"التعليم". القصد هو معرفة أفكار وتصرفات الآخرين. هذا ما يقترحه مهرجان ستريت بارتي اللااستهلاكي.
هل يمكن أن يزعج هذا الاحتفال أحدا؟ العاقل سيقول: ما هذا السؤال عديم المعنى؟ بماذا تزعج معرفة وعرض الثقافات الأخرى؟ ما هي فرضيات هذ الاحتفال؟ الشعار الرئيسي هو العرض التقديمي ! من خلال الفن، وخاصة الموسيقى والرقص – ثقافة الأقليات القومية والإثنية، ومجتمعات الوافدين المتواجدين في وارسو. القصد هو قبل كل شيء فعاليات الضيوف في خلق ثراء التعدد الثقافي للعاصمة. كل هذا يحدث في الشارع. المهرجان يدعو الجميع، مجانا، على العروض والورشات والحفلات الموسيقية والألعاب ... في البداية تتحرك منصة من ساحة البنك (على الأغلب) أو من ساحة (الصلبان الثلاثة)، ثم تتجه نحو شارع كراكوفسكي بشيدمياشتشه، هناك تكون منصوبة مدينة الخيام.
هل هذه ثقافة عالية أم واطية – ربما يسأل الخبيث. ستريت بارتي ليس كرنفالا في ريو. هناك تقوم فرق السامبا بالتحضير للمهرجان طيلة العام السابق له. وتسود الموسيقى والرقص قبل كل شيء آخر. في وارسو لدينا حالة أخرى تماما. المهرجان يدعو الجميع، الذين يستطيعون أن يعرضوا أي شيء من طرفهم. ولكن هذا لا يعني أن العرض يجب أن يكون "كيفما اتفق". كل جسد يجب أن يحرص على قلبه. من هنا يأتي التحمل في الماراثون المسمى حياة. ونعرف أيضا، أنه من أجل نوفاك أو كوفالسكا "الغذاء الصحي" ليس من الضروري هو نفسه عند كل واحد منهما. النمط الصحي في الحياة هو التوازن الذي يوفر كل العناصر اللازمة لجسمنا. السمك، اللحم، لحم الدواجن، الخضار، الحبوب، والفواكه.... عند النباتيين، القضية لها أبعاد أخرى. ولكن القاعدة تنطبق على كل الأجسام الحية. الإنسان، الحيوان، الصرصار.... والمدينة. ما معنى المدينة بدون الناس؟ ما معنى الإنسان بدون الثقافة؟
هذا الحدث ليس مظاهرة (بعد أحداث الشغب الأخيرة أصبحت المدينة تتحسس من هذه الكلمة). هي استعراض مرتبط بمدينة الخيام. هو استعراض استثنائي، لأنه يُظهر كل الثقافات المتواجدة في وارسو. كان لكل من النسخات المتتالية شعارها: كل العالم في وارسو (2007)، وارسو بدون حدود (2008)، وارسو عاصمة الثقافات (2009)، مئة وجه للمدينة (2010)، وارسو قضية مشتركة (2011)، كلنا وارساويون (2012). مجتمع الأقليات والوافدين يشارك من نفسه بالتحضيرات، وهو قيمة مضافة يستحقها الحدث. الخبراء يسمون ذلك التفعيل عن طريق الثقافة.
إن لوارسو من جراء ذلك بطاقة تعريف إضافية – مثل الكارنفال في ريوديجانيرو أو نوتينغ هيل في لندن. الاهتمام الرائع الذي لقيه ستريت بارتي في السنوات المنصرمة (بدأ تنظيم الاستعراض في عام 2007) يؤكد بأن سكان وارسو منفتحين على التنوع الثقافي وأن تنظيم الاحتفال باستمرار شيء هام جدا. فقط من خلال النشاط نستطيع أن نمتحن النبض الثقافي للمدينة. لماذا ظهرت صعوبات في تنظيم الاستعراض في السنة الماضية؟ بالرغم من المطر، فإن الجموع رافقت الموكب. في مدينة الخيام كان الازدحام كبيرا لدرجة أنه كان لا بد من العناية الزائدة بالأطفال كي لا يضيعوا. الوارساويون يريدون هذا الاحتفال. منذ البداية في عام 2007 لم يكن هناك أية إشكالات. هل للشارع العريض بأرصفته الواسعة أن يكون فقط جميلاً أم يجب بالإضافة لذلك أن يكون حيوياً؟ من أين جاءت فكرة تغيير مكان الاستعراض إذن؟ تغييره إلى منطقة مارينشتات مثلا؟ هل بسبب مئات الهواتف "كلا"، أم بسبب رائحة الطهو الغريبة؟
أقتبس في الختام من موقع وارسو القارة ’كونتينينت فارشارفا’ : " فليوحّد الاحتفال المشترَك في قلب وارسو من خلال الرقص على أنغام الموسيقى كل الناس المتشوقين للعالم، والمعجبين بتنوعه، والذين يريدون التعرف عليه أيضاً من خلال التسلية".
مامادو ديوف